جـــــــــــــــزاء-سهى عـودة -العراق
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

جـــــــــــــــزاء

  سهى عودة    

صرخت بوجهه : إلى متى ستبقى بلاعمل وابنتي تقدح حر الشمس لتطعمك وتدفع اجر الغرفة المتصدعة ,اعلم بأن هذا هو يومك الأخير والاسأخذها إلى بيتي ونرى كيف ستعيش .
 خرجت قارعة الباب بقوة لاتدل على امرأة نيف عمرها على الستين .
قال منزعجا" : لقد أصبح الوضع لايحتمل سأجد غيرك بعد الاستفادة النهائية من وجودك معي . رفس بطنها كالحصان فسقطت خائرة العزم  , قطع كم فستانها البالي ليكشف عن ذراعها الهزيلة البيضاء ثم اقترب منها حاملا" سكينا" مثلمة الأسنان واحدث من أسفل فستانها الطويل  شرخا" كبيرا" وصل إلى أعلى ركبتيها شدها للأعلى بقوة فوقفت مطوية نحو بطنها , سحبها من ذراعها وهي مستسلمة , وصل السوق أجلسها على الرصيف مع البقية  ,جلست صامتة تطالع بعينين ضعيفتين محاولة  بيأس إخفاء ساقيها العاريتين بذيل فستانها المرتق تارة" وبيداها التي لاتختلف عن حال ساقيها تارة" أخرى  , تجمهر حولها الرجال فحدجها بنظرة آمرة للوقوف فلم تقوى عليه ,وقف يتطلعها احدهم بنظرات وقحة , وكان رث الملبس نتن الرائحة تنبعث من فمه رائحة الخمر والسكائر كرائحة الفئران المتعفنة  فهرع يتملق له ويشرح له عن مزاياها في الطبخ ومهارتها في تربية الأطفال وسرعتها في الزراعة وتربية الحيوانات وجمال جسدها الفاتن وذكاءها في معرفة مايريده الرجل منها قبل أن يطلب ذاك بلسانه ,اخذ يهمس في إذنه بكلمات لن تستطيع سماعها لكنها كانت فاهمة" لمجمل مايريد إيضاحه بقرف شديد وكأنه يهمس بأذنيها  .
فصرخ قائلا" : نعم هذا مااريده  , وهم بسحبها فوكزه بقوة قائلا" : أين الثمن فرد السكير الذي كان يترنح : غدا" سأعطيك بعد أن أجرب مزاياها وخصالها الجيدة .
فلكمه لكمة" جعلته يصدم رأسه بالحائط فولى هاربا" وسط أصوات المتجمهرين في السوق والتي علت بالضحك, فتمتمت بكلمات الحمد لله بأنها لن تباع للسكير الذي كان أتعس حالا" من زوجها .
وبعد هنيهة  دنى منهما رجل ضعيف البنية تعلو وجهه الشاحب نظرات حادة نظرت إليه فوجدته شخص نحيل بأكتاف ضيقة  يلبس ملابس تحول لونها إلى الابيض يخالطها بعض الاحمرار ويسير بحذاء رقعت بجلود مختلفة عدة مرات وفي أكثر من مكان وهو يتفحصها من أعلى رأسها حتى أخمص أقدامها بنظارته ذات العدسة الواحدة نظرت ليده فوجدتها متصلبة صفراء تكلم مع زوجها البائع لوقت ليس بالقصير ثم رحل فقالت له بهدوء : لماذا لم توافق على السعر.
فأجابها بهدوء أكثر: أن كان هذا البخيل دفع فيك أكثر مما صرفه طوال عمره فغيره سيدفع الضعف فأنا اعلم انك تساويين الكثير من المال  فأمتعضت شفتاها واحتقرته أكثر .
 مر ساعتان لجلوسها على الرصيف  والرجال تغدو وتروح لكن بدون فائدة فلم يتقدم منهما احد وهو يحدجها بنظراته الغاضبة ويأمرها بالاعتدال والوقوف ليموه الرجال بأنها صحيحة الجسم فقد كان لها وجه جميل  لجسد نحل ووهن من شدة الجوع والفقر وبدورها تتجاهل نظراته بصمت مميت متمنية" الخلاص منه متصورة" انه أقسى رجل في الكون فهو منذ خمس سنين يلقف ثمار شقاءها اليومي ويبدد ماتجمعه على شهواته وملذاته القذرة  ولكم احتقرت نفسها لأنها ظنت بزواجها منه معارضة" لأهلها بأنها ستهرب من الفقر ومن طمع أمها وتسلط أخوتها , جالت بنظراتها الدامعة السوق فوجدت عشرات الرجال يقبلون ويدبرون فبعضهم وجد ضالته من العبيد الغلمان والرجال  وماتشتهيه نفسه من الجواري والبعض الأخر مازال يبحث فقررت أن تبحث هي أيضا" لأنها لاتريد أن تباع كالجواري فمهما كانت فقيرة بائسة الاانها حرة فأرادت أن تقلب الموازيين وترجح كفة الميزان نحوها .
فأستطلعت بشغف, رأته بعيدا" طويل القامة عريض المنكبين مفتول العضلات له وجه وضاء اسمر اللون بعينين واسعتين سوداوين يرتدي أبهة الملابس وأفخمها  يسير وراءه رجلان , رأته وقد دار السوق بكل محلاته وأرصفته باحثا" عن  جارية  يبتاعها  فلم  يرضى بالحساناوات , غمرتها غبطة لأنه لم يختر أي واحدة من الجميلات وشعرت بالخيبة  لأنه لن يفضلها عن من راهن ولم يخترهن, كم تمنت أن يراها, انتفضت واقفة متكأة" على الحائط الذي كان يسندها حاولت ترتيب شعرها , نفضت الغبار عن وجهها وثوبها الممزق , لم تقوى على الانتصاب أكثر فقبعت في دائرتها  .
  أشار له احد رجاله قائلا" : بقي ذلك الرصيف ياسيدي لم نرى مايحويه من جواري وأنا اعلم بأن حضرتكم قد أجهدكم البحث لذا ياسيدي أبقى هنا وسأذهب للاستطلاع و.....
 قاطعه رافعا" أصبعه للتأكيد وقال مغتنجا" : إعلم بأني أثق فيما ترونه جميلا" إلا  جمال النساء فأنتم لاتعرفونه كما أميزه أنا . فأنطلق بهمة ومشيا خلفه متثاقلين بأقدام منهكة تقدم نحوها لم تلاحظه كانت جالسة" بحزن وقد مالت  دافنة"رأسها بين رجليها لاحظت ظلا" يغطيها  ويحميها من أشعة الشمس التي لفحت رأسها منذ بدء جلوسها على رصيف السوق لم تهتم سمعت صوتا" يقول لها : كيف الحال ,لماذا تخفين  وجهك عن الأنظار شد وجهها نحوه مترفقا" فعرفته فبدى لها أجمل مما رأته وهو على الجانب الأخر من السوق قالت بنبرة حزينة خافية" مسرة قلبها : لأنه لم يعد هنالك إلا شرار الخلق من الرجال لكني الآن تأكدت بأن الشر قد ولى بلا رجعة .
رد بثقة : أنت لؤلوة مدفونة تحت الرمال وأنا الغواص الذي سيجلي عنك الرمال , خلع جاكيته ملقيها على أكتافها فأحاطت ذراعيها ,شعرت بالدفيء, أحست بأن رائحته اخترقت مسامات جسدها  امسك بيدها ليمشي معها فتقومت بصعوبة , حملها على ذراعيه بهدوء واخترق الطريق .
حاول زوجها أن يعترض طريقه غاضبا" فتعثر بالرجلان قائلا" : كيف تأخذوها بلاثمن إنها زوجتي وليست جارية للبيع     .
فتلقى ضربة" أطاحت بزوج من أسنانه من احدهما قائلا" : هذا الثمن ورمى عليه كيسا" صغيرا" ممتليء بالدنانير , فتلقاها بشغف وأسرع بالهرب فأعترضه لص ارعن وسدد إليه لكمة" فسقط أرضا" وسقط الكيس فلتقفه  اللص بسرعة البرق ومضى دون معارضة .
ادخلها قصره أمر الخادمات بأن يحمينها ويلبسنها أغلى ملابس السندس والحرير ويزينها بأروع المجوهرات والحلي  ففعلن .
بعد انقضاء النهار الطويل أمرها بالنزول إلى بهو استقبال القصر فبلغتها الخادمة بذلك فامتثلت للأمر , وقفت أعلى الدرج الطويل كانت تبدو وكأنها سيدة هذا القصر منذ زمن طويل حيث بدت عليها أثار النعيم والرخاء ولايمكن لأي شخص أن يصدق بأنها عرفت الفقر وشظف العيش في حياتها  فاستقبلها بحفاوة وانزلها ماسكا" يدها  بعد أن لثمها فتأكدت بأنه سينسيها مر الصبر الذي قاسته مع زوجها السابق الذي باعها واكل


ثمنها بعد أن  سرق تعبها لسنوات وكذلك أمها وأخوتها الطامعين بها لن يتجرؤ عليها بعد اليوم ,فكانت ترى أمل المستقبل وهناء الحياة بوجوده ,  وصلت البهو كان مملوءا" بالرجال فأجلسها بينهم وغادر بلا رجعة .
عاد الزوج البائع في اليوم التالي طرق باب القصر صارخا" : أعطوني نقودي التي سرقتموها مني .
قبض عليه جنود القصر فكان عشاءا" شهيا" لكلاب الحراسة تلك الليلة .



 
  سهى عـودة -العراق (2010-10-16)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

جـــــــــــــــزاء-سهى عـودة -العراق

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia